عبقرية الخطوة الأولى


وائل عادل| الجزيرة توك | Academy of Change أكاديمية التغيير


من أصعب المهام أن يُطلب منك إزالة عمارة دون أن تخرج سكانها، ودون أن تسقط فوق رؤسهم فتهشمها منتزعة أرواحهم، بل وتجعل الناس سعداء بعملية الهدم، ثم تبني للسكان عمارة أفضل. كيف يمكن تحقيق هذه المعادلة؟!

البعض قد لا يشغله هذا السؤال، مقترحاً التضحية بهذا الجيل من سكان العمارة مقابل أن الجيل التالي الذي سيولد تحت الركام سيحظى بمستقبل أفضل في عمارة يشهد بها العالم.

آخرون سيضحون بنصف العدد أو ربعه أو ثلثه بحسب حكمتهم وإبداعهم.

وآخرون يعتبرون أن عملية البناء ليست وسيلة لتحقيق المستقبل فحسب؛ بل فيها تكمن فلسفة المستقبل القادم، ومن ثم يجب أن تتجسد في عملية الهدم والبناء قيم المستقبل، لذلك فالتحدي أمامهم في أن تتم العملية بدون خسائر في الأرواح أو المعنويات، بل ويتشارك فيها سكان العمارة أنفسهم.

قد تجهر بصوتك فخوراً وأنت تبشر برؤيتك لشكل الحياة بعد بضع سنوات، حيث يكون لدينا أفضل عمارة، لكنك تهمس أو تتوارى عن الأنظار حين نسألك السؤال.. ما هي الخطوة الأولى؟! كيف ستهدم المبنى القديم دون أن تخلي سكانه ودون أن يتذمروا، وتتمكن من تشييد المبنى الجديد؟! هل ستدوس على الإنسان لتبني العمارة؟ ثم تطالب منه أن يسكن في آلة القتل التي دمرته؟!

إنها عبقرية الخطوة الأولى، وهنا مكمن الخيال والإبداع، حين يأخذ كل من المسار والوسيلة على عاتقهما صياغة شكل المستقبل، ليصبح ابناً شرعياً لهما. ويكون امتداداً طبيعياً لهما.

شتان بين من يبشرون بالمستقبل مشيرين باختصار إلى الخطوة الأولى لتحقيقه، ومن يركزون على التبشير بالخطوة الأولى التي ستوصل إلى المستقبل. فالتبشير بالخطوة الأولى هو السبيل العملي لخلق وعي فعلي بالمستقبل، لا وعي زائف.

لأنه في وعي الجيل الأول من سكان العمارة البائدة كل خطوة هي مستقبل يتطلب معجزة، بدءاً من هدم العمارة بدون خسائر، مروراً بنموذج إدارة الحياة في تلك المرحلة، وانتهاء بكيفية تشييد البناء.

لذلك إن كنتم مبشرين ... فلا تبشروا بالمستقبل فقط فيكفر الناس به، حدثوهم عن روعة الخطوة الأولى ونتائجها واتصالها بالمستقبل. لقد فعلتموها من قبل.. يوم لم تعلموا الناس كيف يسقطون النظام، ولكن علمتوهم فقط .. كيف يتظاهرون!! ويوم أن خرجوا.. اكتشفوا أن المستقبل أقرب إليهم مما يظنون... كانت الخطوة الأولى هي الأخيرة!!