عامليه بطفولة




أيتها الزوجة الفاضلة،

تعاملي مع زوجك وكأنه ابنك وطفلك الغض الذي دخل سنته الثالثة...كما تفعل الأم الحنون...فهاهي تداعبه وتلاعبه...وتستقبله بالأحضان الدافئة...وتهمس في أذنه ياحبيبي...وتُقبِّله قبلات يشعر من خلالها بدفء محبتها له...فإن جاع أشبعته...وإن صاح هدّأت من روعه ولاطفته وحققت مراده؛ بلطف عبارة...وهَمْسَةِ محبة...ومَسْحَةٍ على رأس...وإن مرض خافت عليه...واضطرب فؤادها هلعا مما حصل له...فطار النوم وباتت ساهرة تحرسه وتراقبه وتداويه...ولاتغمض لها عين حتى تراه قد استراح مما به...وغطَّ في نومه الهادىء؛ هنا لعلها تنام قريرة العين...

وإن جاء فرحا مستبشرا بشيء قد حازه من نجاح؛ شاركته فرحته وطارت معه في عالمه السعيد...وأنشدت له الألحان وغرَّدت مع أطياره فوق الأغصان...

عليك أن تتعاملي مع زوجك بمثل ذلك وأكثر.

أتمنى أن يكون الزوجان بهذه الصورة المشرقة الرائعة اللطيفة العذبة الطفولية التي من خلالها ترى البراءة ترتسم على المحيا...

فكل رجل أو امرأة يحمل بين جنبيه طفولة بريئة صادقة مرت عليه فترة من الزمن...فيجب علينا فقط استدعائها وطلبها والتعامل مع الطرف الآخر بما يُذكِّره إياها حتى يرجع بذاكرته إليها...فيعيش المرحلة البريئة والطفولة العذبة...

فلو دخل الزوج وهو يحمل هما وضيقا...ربما لمشكلة حصلت له في العمل...أو خسارة مالية وقعت عليه..أو غير ذلك...

فإن كان رد الزوجة على موقفه هذا: أنت رجل عاقل...وأب لأبناء...ومدير مسؤول ويحصل منك هذا؟ ينبغي أن تتحمل المسؤولية وتصبر وكل الرجال هكذا...أو أنني تزوجت رجلا لا يتحمل المواقف الصعبة...؟

ماذا فعلتِ؟

قلتِ له شيئا يعرفه...ولم تحل مشكلته..

هنا يحتاج إلى عطفٍ وقلبٍ رحيم...يُواسيه ويخفف عنه ماوقع فيه...ويعطف عليه...ويضفي على موقفه شيئا من الرحمة واللمسة الحانية...والكلمة اللطيفة الخفيفة...التي بها تستخرجين ما بداخله من هم وضيق وحزن...ومن براءة كامنة تحت شخصيته....

فإن استطعت أن تتجاوبين معه بدمعات تنساب على وجنتيك بهدوء تضامنا معه في مثل هذا الموقف؛ فقد نجحت...وقد خف الألم والهم وربما زال للتو...

وقدوتك في ذلك خديجة(رضي الله عنها) عندما جاءها الحبيب (صلى الله عليه وآله وسلم) فزعا لما نزل عليه جبريل(عليه السلام) أو ل مرة وهو جالس في غار حراء...وغطَّه وقال له اقرأ...ماذا فعلت معه؟

أخذته وألحفته اللحاف ودثَّرته كما يُفعل مع الطفل الخائف...ثم مسحت على قلبه بكلمات الرحمة والرأفة والتشجيع ورفع المعنوية...وذكَّرته بخصاله العظيمة وأن من هذه خصاله ينبغي عليه ألا يخاف فالله لايضيع هذه الأعمال الكبيرة بل يسدد أصحابها ويكافئهم عليها...

(عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ }

فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وآلهِ وَسَلَّمَ) يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ: لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي، فَقَالَتْ: خَدِيجَةُ كَلا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ.....)



أيتها الزوجة الفاضلة:

تعاملي مع زوجك وكأنه طفلك المدلل.

ففي الواقع: الطفل يحب أن يُعامل وكأنه رجل كبير أو امرأة كبيرة..

والكبير يحب أن يُعامل وكأنه طفل أو طفلة..

فلو همست في أذن الصغير وقلت له أنت طفل صغير...لغضب عليك ونظر إليك شزرا...ولكن لو قلت له أيها البطل أنت رجل كبير...قال لك: نعم، أنا كذلك ولابتسم ابتسامة الفخر والاعتزاز حيث إنه كبير.

ولو همست في إذن الكبير...وقلت له: أنت كبرت وامتد بك العمر فربما قاطعك في الكلام...احتجاجا على كلامك بمعنى أنه غير موافق عليه...أو عبر بكلمات لاذعة لك أو كان مسالما ومجاريا لك وفي قلبه ما فيه...

بينما لو قلت له: أنت ماشاء الله شاب متدفق الحيوية والنشاط...أنت أحسن بكثير من الشباب...لافتر ثغره عن ابتسامة عريضة...وضحكات تملأ جو الغرفة بالمرح والفرح....

فالسر للولوج إلى قلب الزوجين هذا لمفتاح...

أيها الزوج الفاضل،

تعامل مع زوجتك بهذه اللَّطافة والبراءة...وعاملها وكأنها ابنتك ذات السنتين أو الثلاث...تناغيها وتلعب معها...وتضحك إليها وتتعجب من ألفاظها...فإذا أخطأت ضربتها على وجهها ضربة قاسية...أظنه لايحصل ذلك...بل تبتسم في وجهها وتتعجب من ذلك...وربما حملتها على ظهرك...وتأتي من السوق وقد خبأت لها هدية تفرح بها...فإذا أعطيتها إياها أخذت تقفز وتقفز وتنادي بصوت عذب تشكرك على الهدية...وتسامرها حتى تنام...وربما أخذت تقص لها القصص حتى تنام في حضنك...ثم تودعها بقبلة وتضعها في سريرها بعدما تحصنها بالأذكار الواردة وتعيذها كما كان الحبيب(صلى الله عليه وآله وسلم) يعوذ الحسن والحسين..



عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ) يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ، ثُمَّ يَقُولُ: كَانَ أَبُوكُمْ يُعَوِّذُ بِهِمَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ)رواه أبو داود





أيها الزوج الفاضل: تعامل مع زوجتك بهذه الرحمة في المواقف المحرجة الصعبة التي تمر بها...حتى وإن قصَّرت في شيء من أمور البيت ذاك اليوم فاقلِبها مرحا وطرفة...بأن تُحيل الموقف إلى نكتة تضحكان منها...بدلا من التهزئة والتندر والسب ورفع الصوت واستنقاصها...بل عاملها كطفلة غضة طرية ندية...وامسح على شعرها وجبينها...ثم قبلها قبلة المحب لمن يحب...تلطف معها في ألفاظك...وفي أسلوبك...

(عن عائشة(رضي الله عنها) قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يُقبِّل إحدى نسائه وهو صائم، ثم تضحك) قال النووي في شرح الحديث: (قيل: ضحكت سرورا بتذكر مكانها من النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وحالها معه وملاطفته لها.)



كان الحبيب(صلى الله عليه وآله وسلم) يسابق عائشة(رضي الله عنها) فتسبقه مرة ثم يسبقها أخرى، ثم يقول لها: هذه بتلك.



وكان يأكل من موضع أكلها ويشرب من موضع شربها.

(عن عائشة(رضي الله عنها) قالت: كنت أتعرَّق العظم وأنا حائض، فأعطيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)فيضع فمه في الموضع الذي فيه وضعته، وأشرب الشراب فأناوله فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب منه.)



وكان يتكىء في حجرها...(عن عائشة (رضي الله عنها) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يضع رأسه في حجري، فيقرأ وأنا حائض)



والسؤال الكبير: لماذا نحن الكبار نُحمِّل أنفسنا فوق طاقتها...فنحمل الهم لفترة أكثر...ونترقب الأحداث المستقبلية وربما غالبا لا نتوقع إلا الأسوأ؟

لماذا لانضحك كما يضحك الأطفال...فالطفل يضحك في اليوم أكثر من 400 مرة...بينما نحن الكبار نضحك 15مرة في اليوم....لماذا؟

لماذا يتعارك الأطفال ويتضاربون...وربما سالت الدماء...وبعد قليل يتصالحون وتعود المياه إلى مجاريها...فيلعبون كما كانوا قبل ويتضاحكون كأن لم يكن شيء؟

نعم، لأن قلوبهم مازالت صافية لا تحمل هما لمستقبل ولا مسؤولية بيت وأبناء...وبحثا عن لقمة عيش...وأيضا خالية من الحقد والحسد والبغضاء فمازالت بيضاء كبياض الثلج فطرة الله التي فطر الناس عليها...

هل نحن الكبار في ظننا أننا إذا حملنا هذه الهموم الجسام...ولبسنا ثياب الحزن؛ أنه هو الحل لمشاكلنا؟

لست أعني التغافل عن أخذ الحيطة والاستعداد الجيد للمستقبل والأحداث المتوقعة والاحتياط لها بإيجاد الحلول المناسبة لها...

ولكني أعني ألا يستحوذ علينا هذا التفكير فيشل حياتنا العادية...ويصل إلى حياتنا الزوجية ويحط رحله بها....وهنا تكمن المشكلة لماذا؟

لأن الحياة الزوجية ينبغي أن تكون هي الملاذ الآمن من تلك الهموم والمشاكل الخارجية...وهي محطة الاستراحة والراحة في حياتنا...

وهي الحديقة الغناء التي يأنس بها كلا الزوجين مع بعضهم البعض ومع أبنائهم فهي زهرة الحياة الدنيا... وهي السكن بكل معانية النفسي والصحي والأمني.

أيها الزوج الفاضل والزوجة الفاضلة ،



حاولا أن تغيرا من نمط حياتكما إن كانت تحمل هذا الطابع الجاد.

· أدخلا شيئا من المرح والفكاهة في حياتكما.

· ارسما الابتسامة الشفافة والعذبة على محياكما.

· العبا كالأطفال في غرفة نومكما.



قلت ذلك لأنه :











ماذا تعني الحياة لكما إذا أنتما بقيتما على تلك الحال المأسوية الكئيبة؟







وماذا تعني الحياة لكما إذا أنتما فرحتما وابتسمتما وضحكتما ولعبتما؟





محمد بن سعد آل زعير


عدد مرات القراءة : 102