"قصة قارون"




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عقدة من لساني يفقهول قولي " أهلاً وسهلاً بكم وحلقة جديدة من برنامج " لوكانوا يعلمون " . 

وقصة اليوم من القصص القرآني هي قصة " قارون " . 
وقارون كان انسان عادي من بني اسرائيل ولم يكن معه نقود وكان يحيا بين قوم موسى قال تعالى " إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ"
" والعلماء قالوا أن " من" للتبعيض أي أنه واحد من بني اسرائيل غير معروف . 
لكن ما السر في أن الله خسف به الأرض وما السر في أن جعل الله قصته تتلى إلى الآن .




قال تعالى " إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ " أي طغى وتكبر والسبب في ذلك أن الله قد أنعم عليه قال تعالى " وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ )
" أي أن مفاتيح خزائنه كانت كبيرة لدرجة أن العصبه من الرجال كانت لاتستطيع حملها . 


فأرسل الله من يذكره . قال تعالى " إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ )
" ولا تفرح ليس معناها لا تضحك وإنما معناها ألا تتكبر على الناس " وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ)
" أي اجعل كل هذه النعم وسيلة لكي تعبد الله وكي تُرضي الله حتى تكون هذه النعمه سبب في سعادتك في الآخرة ودخولك الجنه أي اجعل الدنيا كما قال الله تعالى "قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)


" ولا تنسى نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك " فاذا كان الله اصطفاك على الناس بهذه النعم قلا تعصى الله بها . وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)" أي أن الله لا يحب الانسان الذي ينشر الفساد في الأرض . 
ومشكله قارون تكمن في الكلمه التي قالها وهي ." قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي ۚ " أي أنا الذي اكتسبت هذا المال بجهدي ولا فضل لأحد علىّ . 
ومشكلة كلمه " أنا " هي حب الدنيا وحب الدنيا هو رأس كل شر .


قلنا أن مشكله قارون في أنه قال " قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي " أي أنني أنا السبب فيما أنا فيه . 


و " أنا " جزء من حب الدنيا وحب الذات وحب النفس وحب أن يكون الانسان في أعين الناس كبيراً . 
وكان أبو ذر يقول " أعوذ بالله أن أكون كبيراً في نفسي صغيراً عند الله " ومن أسوأ الاشياء التي تحجز الانسان عن الله هو حب الدنيا لذلك الشيطان أخذها أكبر وسيلة وقد قال الشيطان ذلك لله . " لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ " . 

ومشكلة حب الدنيا هي رؤيتنا لشهوات الدنيا . قال تعالى . 
" زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ
والصواب أن الانسان عندما يرى هذه الشهوات يتذكر الذي خلقها ويتذكر أن الله لم يمنعنا من هذه الشهوات وانما قال لنا أن نخرجها في حلال. 


وحب الدنيا ليس ذنب وإنما الذنب أن نحب الدنيا أكثر من الله قال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيل 
إذاً المشكله ليست في حب الدنيا وانما الاختبار وثمن الجنه ألا تشغلك الدنيا عن الله عز وجل . 
لذلك النبي (صلى الله عليه وسلم) كان كثيراً ما يُذكِّر الصحابه بهذا الأمر وكذلك القرآن قال تعالى 
" مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا
وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا )
" وقال تعالى " مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ )


لذلك النبي (صلى الله عليه وسلم) في ذات مره كان مع الصحابه فمر على جدى ميت ومنتفخ وقد كان هذا الجدى أسك وأسك يعني أذنه صغيره وهذا يعد عيباً عند العرب . فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) أيكم يأخذ هذا بدرهم فقالوا يا رسول الله إنه ميت وإنه أسك . 
فقال أيكم يأخذه بدرهم فقالوا يا رسول الله لو كان حيا ما اشتريناه فقال (صلى الله عليه وسلم) . فان الدنيا أهون عند الله من هذا الجدي على أحدكم ". 


ومقصد النبي (صلى الله عليه وسلم) أن الانسان غالي والله لم يرضى بالدنيا لعباده الصالحين وأنما رضى لهم بالجنه كما قال في حديثه القدسي " اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " وقال (صلى الله عليه وسلم) " يقول ابن آدم مالي مالي . وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فافنيت أو لبست فابليت أو تصدقت فأبقيت " ويقول ابن عباس " تأتي الدنيا يوم القيامه على صورة عجوز شمطاء زرقاء الأنياب تقول يا رب اجعلني لأدني أهل الجنه منزله فقال رب العالمين لها اخسئي إني لم أرضاكي لهم في الدنيا أفرضاكي لهم في الآخرة " 
ونعود مرة أخرى إلى قصة قارون . 


قال تعالى " فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ )
" فبدأ قارون يتكبر بنعمه الله . وفي صحيح البخاري " ان الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده " فالله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ولكن مع الاعتراف بفضله . ولكن قارون لم يكن يعترف بفضل الله عليه بل خرج في زينته متكبراً على قومه . فانقسم الناس إلى فرقتين .
ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ " والفرقة الثانيه التي علّمها الله مقام الدنيا " وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ )
قال (صلى الله عليه وسلم) – وقد أخرج لعابه ووضعه على يده وأشار إليه – يقول الله أنىّ تعجزني يا ابن أدم وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا قوى ظهرك واشتد عضدك (كتفك) جمعت ومنعت ومشيت بين بردين لك وللأرض منك وئيد (أي صوت) حتى إذا بلغت الحلقوم قلت أتصدق وأنيًّ لك أوان الصدقة " 
لذلك خسف الله بقارون الأرض لأنه تكبر ولم يعترف بفضل الله عليه فجعله الله آيه وعبره . 


قال تعالى " فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81)
وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ )" أي أن هؤلاء بالامس اتخدعوا بالدنيا وتمنوا أن يكونوا مثله ولكنهم عندما رأوا عاقبته حمدوا الله على انهم لم يكونوا مثله . 

وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ " ثم ختمت القصة بهذه الآيه . " تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )
" نسأل الله ألا يشغلنا بالنعمه عنه وأن نكون منكسرين بين يدي الله . 
جزاكم الله خيراً كثيراً وصلى اللهم على سيدنا محمد


مصطفى حسنى

الجزء الاول

الجزء الثانى