ثقافه الاختلاف المفقودة ومصادرة الرأى الأخر
6 وقت القراءة
ثقافه الاختلاف المفقودة
ومصادرة الرأى الأخر
نشأت أغلبية مجتمعاتنا العربية على ثقافة يسود فيها الخلاف، الخلاف بمعنى مخالفة كل ما هو يعارض أفكارنا و تفكيرنا و ميولاتنا. و تجد ثقافة الإختلاف تلك إلى جدورنا و موروثنا القبلي و الأسري، بحيث تتجدر هاته الثقافة الرجعية و السلبية في محيطنا و بيئتنا العربية و ترسخت في اللاشعور العربي نتيجة للتخلف و التأخر الذي عرفته مجتمعاتنا على مختلف المجالات في العقود الأخيرة، و ذلك نتيجة عوامل داخلية و خارجية.
كعرب فاننا دوما ما نولد ونحن نحمل بذور الانا ومن معي فهو اخي ومن يخالفني الراي فهو بلا شك عدوى
فيما تبقى الحقيقة فى غرفة الانعاش و فى زمان النفاق تغدو الحقيقة أول خسائر الواقع
يقرر القرآن بوضوح هذا السوق نحو الاختلاف غير الخاضع لمشيئة وإرادة الإنسان كما في قوله تعالى (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين) فالآية تقرر أن مشيئة الله تعالى اقتضت أن يخلق الناس جميعاً مختلفين.
ثم أن هذا الاختلاف ليس هو من ثوابت خلق الإنسان فحسب إنما هو من ثوابت نظام الخلق وقانون يعيش في دائرته جميع المخلوقات في هذا الكون المتسع والإنسان كمخلوق في دائرة هذا النظام أيضاً فقد خلق الله البشر مختلفين في الأشكال والاحجام والألوان والالسن وخلقهم مختلفين في الوسع والجهد والتحمل وخلقهم مختلفين في عقائدهم وقربهم وبعدهم من الله تعالى (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ) وخلقهم يختلفون في التسخير فبعضهم يسخر الآخر لخدمة أغراضه ومصالحه
وخلقهم يختلفون ويتمايزون في القدرة على تعقّل الأمثال والحوادث فالاختلاف أمر طبيعي يقرره القرآن والعقل والتاريخ ومن هنا فليس غريباً اختلاف البشر في الأفكار والتصورات والمعتقدات والعادات والتقاليد ولكن الغريب حقاً محاولة البعض جعل الناس كلهم يؤمنون بفكر واحد وثقافة واحدة ومعتقدات واحدة وقيادة واحدة ونيّة واحدة
لذا ينبغي لنا ان نؤمن ان وجود الاختلاف امرا ضروريا ونفعيا وان يستفاد منه كدليل على صحة المجتمع وان نؤمن انه يجب ان يجير لخدمة هذا المجتمع والنفع من وجهات النظر الاخرى
ففي المجال التشريعي ـ مثلاً ـ نلاحظ الاختلاف الفقهي بين الفقهاء من الوضوح بدرجة كبيرة وهو شيء طبيعي وضروري إن محاولة جمع الناس على رأي واحد في أحكام العبادات والمعاملات ونحوها من فروع الدين محاولة لا يمكن وقوعها كما أن محاولة رفع الخلاف لا تثمر إلا توسيع دائرة الاختلاف وهي محاولة تدل على سذاجة بيّنة ذلك أن الاختلاف في فهم الأحكام الشرعية غير الأساسية ضرورة لا بد منها والذي أوجب هذه الضرورة طبيعة الدين وطبيعة اللغة وطبيعة البشر وطبيعة الكون والحياة ومن هنا تظهر أهميته والحاجة إليه والتكيّف معه بنحو من الإيجابية والعقلنة
الاختلاف بين البشر في الأفكار والآراء والتوجهات والمواقف أيضاً إنما يعود لأحد منشأين:
1ـ منشأ النظر العقلي أو العلمي سواء كان فلسفياً أو فقهياً أو غيرهما وهو المصطلح عليه (بالاختلاف العلمي) وهو مقبول شرعا لانه امر طبيعي مطلوب خصوصا بين اهل العلم والمعرفة
وبهذا النوع من الاختلاف تتقدم العلوم وتنشأ الحضارات وتنمو المدارس الفكرية والمذاهب الفلسفية وغيرها
2ـ منشأ حب الذات والمصالح الشخصية ـ بما فيها الأنا الفردية والجهتية ـ وهو المصطلح عليه (بالاختلاف المصلحي) وهذا النوع من الاختلاف ينشأ عادة بسبب تضارب المصلحة الشخصية أو مصلحة الجهة أو المدرسة أو الفكرة مع المصلحة القيمية أو العامة ومن هنا تنشأ التمزقات والعداوات والفرقة وتترتب عليه الآثارالسيئة والسلبية الخطيرة هذان هما منشأ الاختلاف بين البشر عامة
فالأول عقل وعلم ورحمة والثاني هو مصلحة ونقمة
ادب الاختلاف يجب ان يضمن الحدود التاليه :
1) احترام الآخر
2) عدم سوء الظن
3) عدم غيبة الاخر بكلام يسيء له
4) عدم تصيد اخطاء الاخر
5) تجنب الاسقاط في اصدار الاحكام
في أدب الاختلاف يتقابل الخصمان ليعرض كل منهما وجهة نظره رؤيته استنتاجاته فكره مفاهيمه وهو في قراره نفسه يمس بشيئين معا بالثقة مما يقول وبالتقبل للرأي الآخر ثانيا.
ان الثقة بوجهة النظر او الفكرة تولد دافع الحفاظ عليها وعرضها واغنائها و يمارس حاملها حق الدفاع عنها وفي نقطة تقبل الرأي الآخر مرونة ورغبة في تفهم الآخر وامكانية للتغيير ولو بسيطة او كامنة في اساسيات الراي الحقيقي
ان من ادب الاختلاف ان نحترم رأي الآخر ونتقبل طرح الاخر لا لانه يوافقنا او يقترب من مفهومنا وانما لانه يخالفنا وفي الاختلاف اغناء وتعدد ورغبة في الاستزادة والتغيير وايضا لانه احترام لفكر اخر
ورؤية اخرى وثقافة مختلفه
ان طريقة عرض الرأي الاخر هي ايضا مشتملة في ادب الاختلاف بمعنى ان عرض الرأي يجب ان يكون بطريقة لبقة مؤدبة (متفهمة) دون اسفاف او اهانة او تعدي
ان الثقة بالرأي والاعتزاز به لا يعني احتقار الاخر بل احترامه وتقبل رأيه وان تمت معارضته في ظل وحدانية الراي والاهداف وتقبل الرأي الاخر يفرض ادب الأسلوب ولباقة العرض دون تعريض او تحريض او اتهام.
يجب ان ندرك بتفهم ان الاختلاف لابد منه وهو يعيش معنا منذ القدم لذا يجب ان نحاول التكيف
معه ابرازة بصورة راقيه ليتمكن الجميع من الافادة منه بالشكل المناط به بحيث يكون هدفنا الاول
والاخير هو الحقيقة والحقيقة فقط وهي ما يجب ان يبحث عنه وان لا ننسى نقد الذات قبل ان
نتبارى في نقد الاخر لامور لا تمس صلب الامر المراد به اساسا من الاختلاف
بهذه الطريقة نستطيع ان نحقق الذات العليا المطلوبة للتعايش مع الاخر بكل احترام وحب
واريحيه فالقلم مسؤولية فلنكن اكثر امانه لما نخط به وله
احترام الرأى الاخر ولو اختلف
المؤمنين بأن الصورة – أي صورة – يجب أن ينتظر إليها من عدة زوايا لا من زاوية واحدة. وأنا من المؤمنين أيضا بأنه لا يوجد إنسان واحد –مهما أوتي من علم وإدراك –يستطيع أن يدعى بأنه يمكن الإحاطة بصورة واحدة من كل زواياها . وإذا وجد من يدعى هذا فهو واهم . وإذا جاء من يفرض علينا الصورة من زاوية واحدة فأقل ما يوصف به أنه مجرم.
ومن هنا عظم دور النخبة المثقفة في كل زمان وكذا دور صناع الفكر في كل مكان . إذ علي عاتقهم جميعا تقع مسؤولية إكمال زوايا الصورة عند العامة . وعلي عاتقهم تقع مسؤولية إكمال زوايا الصورة عند بعضهم البعض . وكل من يسعى إلى تقديم اكبر قدر من الزوايا الجديدة للصورة الواحدة فهو قوة من قوى المجتمع الإيجابية التي يجب أن تقدر وتجل .
أما المتلقي – أنا وأنت – فما علينا إلا السعي للإلمام بأكبر قدر من الزوايا والرؤى المختلفة للصورة الواحدة وحينما يدرك أي منا قصورا أو خللا عند صاحب رؤية أو صاحب فكر ، فكل ما علينا أن نتحلى بالإيجابية و نعرض تصورنا ورؤيتنا لهذه الزاوية القلقة – من وجهة نظرنا – عند الآخر وليكن الهدف والقصد من وراء كل ذلك أن نكمل ما عنده من قصور أو لنضيف له زاوية غائبة ، أو لنزوده ببعد كان عنه مطموساً على أن يتم كل ذلك في جو من التقدير والاحترام لكل صاحب رأي سواء اتفقنا معه أو اختلفنا
إننا بذلك نعمل على نشر ثقافة الاختلاف في مجتمعاتنا وعلى القاعدة العريضة في المجتمع أن تنمي ثقافة الاختلاف فيما بينهما وعلينا جميعا ألا نصدر أحكاما إعدامية على الزوايا الجديدة ، والرؤى المختلفة ، والآراء المبتكرة بل نربي أنفسنا – ومن حولنا – على ثقافة الاختلاف فيما بيننا وفى الوقت نفسه نربي مجتمعاتنا على أن كل إنسان – مهما كان – يؤخذ من كلامه ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم وليكن شعارنا : نتفق فيما اتفقنا عليه ، ويعذر بعضنا بعضا ً فيما اختلفنا فيه وقبل كل ذلك نذكر ونتذكر قول العزيز الحكيم :” لا إكراه في الدين ”
- وهكذا – وبهذه الروح ، وبهذا الفكر تهرب السلبية والتبعية من حياتنا و تظلل الإيجابية مجتمعاتنا إيجابية يستفيد منها ويسعد بها المجتمع بأسره إيجابية ترقى بنا حتى نصل إلى أقرب درجات الكمال وأفضل درجات التصور للأمور من حولنا وعندها نستطيع أن نصدر أحكامنا على أي من الأمور التي تهم مجتمعاتنا بكل شجاعة وأقدام وبعدها نستطيع أن ندلي بآرائنا , وتصوراتنا, واجتهاداتنا لنغير أو نعدل ، لنبدع أو نطور كل جديد يفيد مجتمعاتنا في ظل ثوابتنا العظيمة و في ظل ثقافة الاختلاف
ولا بأس بأن نختم بكلمة لابن تيمية تستحق أن تُكتب بماء الذهب وأن يستحضرها الشباب الإسلامي في معاركه ومناظراته الحالية ..
قال ابن تيمية: (إن العدل واجب لكل أحد، على كل أحد، في كل حال، والظلم محرم مطلقا لا يباح بحال )