الإعجــاز العلمي في قوله تعالى: (فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ، ومَا لا تُبْصِرُونَ)
5 وقت القراءة
إن الله عز وجل قد أقسم في كتابه الكريم بالعديد من الأشياء العظيمة والأمور الجليلة فقال عز وجل في سورة القيامة
( لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيَامَةِ .ولا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) القيامة1 ، 2
وفي سورة الواقعة ( فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) الواقعة، 75
وفي سورة الانشقاق ( فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) الانشقاق 16
وفي سورة التكوير ( فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ . الجَوَارِ الكُنَّسِ)
التكوير15، 16
وفي سورة الطارق يقول الله عز وجل : (وَالسَّمَاءِ والطَّارِق)الطارق1
ويقــول الله عــز وجــل فـي ســورة الشمــس
( وَالشَّمْسِ وضُحَاهَا . والْقَمَرِ إذَا تَلاهَا. والنَّهَارِ إذَا جَلاَّهَا)الشمس 1
وفي سورة الضحى يقول الله تعالى
( وَالضّحَى . واللَّيْلِ إذَا سَجَى . مَا ودَّعَكَ رَبُّكَ ومَا قَلَى)الضحى1
وغير ذلك كثير مما أقسم الله به في كتابة الكريم ولأن الله سبحانه وتعالى عظيم فهو لا يقسم إلا بشئ عظيم مما يدعو المسلم إلى التفكر والتدبر وإمعان النظر فيما أقسم به الله ومحاولة استجلاءه والتعرف على مواطن العظمة فيه والتي جعلته ينال هذا الشرف العظيم وهو قسم الله سبحانه.
ومن هذا المنطلق نود أن نقف وقفة تدبر وتأمل لقول الله تعالى :
( فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ . ومَا لا تُبْصِرُونَ)الحاقة ، آيه 37-38
وتوسيع مدلول هذه الآية وتعميق معانيها في الوجدان والفكر الإنساني على ضوء الاكتشافات العلمية المعاصرة وإظهار الإعجاز العلمي وثبوت هذه الحقائق العلمية التي تنبأ بها القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرناً من الزمان.
البصر في اللغة العربية:
-------------------------
ورد في معجم لسان العرب، قال ابن الأَثـير، فـي أَسماء الله تعالـى البَصِير، هو الذي يشاهد الأَشياء كلها ظاهرها وخافـيها بغير جارحة، وقـيل: البَصَر حاسة الرؤْية. وقال ابن سيده: البَصَر حِسُّ العَيّنٌ والـجمع أَبْصار
قال سيبويه: بَصُر صار مُبْصِرا، وأَبصره إِذا أَخبر بالذي وقعت عينه علـيه، وأَبْصَرْت الشيءَ: رأَيته. وباصَرَه : نظر معه إِلـى شيء أَيُهما يُبْصِرُه قبل صاحبه. وباصَرَه أَيضاً: أَبْصَرَه.
ما جاء في تفسير الآيتين الكريمتين: القسم في القرآن بـ " لا أقسم":
وفي التفاسير إجمالا أن لا أقسم تعني أقسم و هي قسم مؤكدة بأداة النفي لا.
قال القرطبي في الجامع لإحكام القرآن، المعنى أقسم بالأشياء كلّها ما ترون منها وما لاترون.
وورد في تفسيرا لقرآن العظيم لابن كثير؛ يقول تعالى مقسماً لخلقه بما يشاهدونه من آياته في مخلوقاته الدالة على كماله في أسمائه وصفاته، وما غاب عنهم مما لا يشاهدونه من المغيبات عنهم:
وفي تفسير الجلالين؛ {لا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ} من المخلوقات،
{ وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ} منها أي بكل مخلوق.
و جاء في تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي؛ أقسم تعالى، بما يبصر الخلق من جميع الأشياء، وما لا يبصرونه. فدخل في ذلك كل الخلق.
أقوال الكتاب المعاصرين في هذه الآية:
يقول الدكتور عبد الباسط الجمل في كتابه "عالم الحياة بين القرآن و العلم": إذن يوجد في البيئة ما يعيش معنا، ولا نبصره، ولكن قد نبصره مستقبلاً، ولذا كانت دقة لفظ القرآن ( وما لا تبصرون)
ولم يكن القول – ولله المثل الأعلى في قوله ( بما لن تبصرون) وذلك يمثل عطاءً من الله للإنسان ممثلاً في تلك القدرات العقلية التي منحه إياها ليستخدمها في كشف اللثام عن هذه الكائنات.
و يقول عبد الرزاق نوفل في كتابه "القرآن و العلم الحديث": إن التقدم في العلوم قد أثبت أن الوجود ينقسم إلى عالمين: عالم منظور, وآخر غير منظور. .
فالأول هو كل ما يراه الإنسان سواء بعينه المجردة أم بالمجاهر والأجهزة المقربة، فكل ما في السماء وما تحت الأرض وما في قاع المحيطات وما في السحب وكل ما يمكن رؤيته بالعين إنما هو من العالم المنظور،
والعالم غير المنظور قد أصبح حقيقة لا تقبل الشك والجدل . .
ويقول العلماء أن هذا العالم أوسع وأرحب من العـالم المنظور وأكثر ازدحاماً! !..
و يقول د/عدنان الشريف في كتابه "من علم الفلك القرآني": أقسم المولى في الآية الكريمة بجميع مخلوقاته سواء كانت مرئية بالعين المجردة أو بواسطة المجهر والمرصد، أو غير مرئية كالأشعة المجهولة والملائكة والروح والجان والجنة والنار وكل الغيبيات .
ربما كان ذلك ، والله أعلم ، لكي يتوقف الإنسان العاقل مطولاً أمام بديع الصنعة والإعجاز الكامن في كل خلق من مخلوقات الله بدءاً من أصغر جسيم في الذرة وهو "الكوارك"
(Quark) وانتهاءً بأكبر المجرات وأبعدها.
و يقول الدكتور حامد أحمد حامد في كتابه "رحلة الإيمان في جسم الإنسان" أن العين تستطيع رؤية الموجات بين 400-700 نانومتر بينما لا تستطيع رؤية الموجات الأقصر مثل الأشعة فوق البنفسجية و الموجات الأطول مثل الأشعة تحت الحمراء.
كيف نبصر بأعيننا؟
---------------------
إن كرة العين التي لم يتعدى وزنها 8 جرامات معجزة من الله تعالى ففي طبقة واحدة من طبقات شبكية العين يوجد 500 مليون خلية بصرية Rods and Cons Photoreceptors وإنه عندما تسقط أشعة الصورة على الشبكية تلتقطها خلايا ضوئية متخصصة منها 8 مليون خلية (المخاريط) متخصصة في الضوء الساطع و150 مليون خلية على جوانب الشبكية( العصي) متخصصة في الضوء الخافت.
ويلعب فيتامين ( أ ) دوراً رئيسياً في رؤية الأشياء والألوان لأنه المصدر الرئيسي لمادة الرتينال Retinal وتحدث تغيرات كيميائية في أقل من البليون في الثانية.
ويخرج من قاع العين العصب البصري Optic Nerve المؤلف من نصف مليون ليف عصبي الذي ينقل طيف الضوء إلى مركز البصر في الدماغ والذي يحولها إلى صورة مرئية، ويبلغ سرعة إرسال الصورة في العصب البصري ألف مرة في الثانية.
: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ}الذاريات : آية 21
ومن حكمة الله أنه أثناء الضوء بالنهار والظلام بالليل تتبادل كل من العصي والمخاريط عملها لتمكن الإنسان من الرؤية في الظروف المختلفة. و لو لم يكن الأمر كذلك لهلكت.
كما تتأثر بطريقة شديدة لو تعرضت لظلام أو إضاءة لفترة طويلة، فإذا اشتد الظلام وطال أصيبت العين بغشاوة وعميت لتوقف دورة فيتامين (أ) و الريتينول عن تكوين الرودبسين اللازم للرؤية في غياب الضوء.
ومثال على ذلك ما حدث لجاجارين ورواد الفضاء الأولين عندما خرجوا من الأرض فلم يروا السماء إلى ظلاماً دامساً، مغطاة بالسديم المعتم ، والنجوم تتلألأ وراءه وصدق الله تعالى إذ يقول في محكم آياته :
( لَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ. لَقَالُوا إنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ)(11)